فصل: وصول المهدي الى المغرب واعتقاله بسجلماسة ثم خروجه من الاعتقال وبيعته.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وصول المهدي الى المغرب واعتقاله بسجلماسة ثم خروجه من الاعتقال وبيعته.

ولما توفي محمد الحبيب بن جعفر بن محمد بن إسماعيل الإمام عهد إلى ابنه عبيدالله وقال له: أنت المهدي وتهاجر بعدي هجرة بعيدة وتلقى محنا شديدة واتصل خبره بسائر دعاته في أفريقية واليمن وبعث إليه أبو عبد الله رجالا من كتامة يخبرونه بما فتح الله عليهم وأنهم في انتظاره وشاع خبره واتصل بالعباسيين فطلبه المكتفي ففر من أرض الشام الى العراق ثم لحق بمصر ومعه ابنه أبو القاسم غلاما حدثا وخاصته ومواليه بعد أن كان أراد قصد اليمن فبلغه ما أحدث بها علي بن الفضل من بعد ابن حوشب وأنه أساء السيرة فأنثنى عن ذلك واعتزم على اللحاق بأبي عبد الله الشيعي بالمغرب فارتحل من مصر إلى الإسكندرية ثم خرج من الإسكندرية في زي التجار وجاء كتاب المكتفي إلى عامل مصر وهو يومئذ عيسى النوشري بخبرهم والقعود لهم بالمراصد وكتب نعته وحليته فسرح في طلبهم حتى وقف عليهم وامتحن أحوالهم فلم يقف على اليقين في شيء منها فخلى سبيلهم وجد المهدي في السير وكان له كتب في الملاحم منقولة عن آبائه سرقت من رحله في طريقه فيقال إن ابنه أبا القاسم استردها من برقة حين زحف إلى مصر ولما انتهى إلى طرابلس وفارقه التجار أهل الرفقة بعث معهم أبا العباس أخا أبي عبد الله الشيعي إلى أخيه بكتامة ومر بالقيروان وقد سبق خبرهم إلى زيادة الله وهو يسأل عنهم فقبض على أبي العباس وساء له فأنكر فحبسه وكتب إلى عامل طرابلس بالقبض على المهدي ففاته وسار إلى قسنطينة ثم عدل عنها خشية على أبي العباس أخي الشيعي المعتقل بالقيروان فذهب إن سجلماسة وبها اليسع بن مدرار فأكرمه ثم جاء كتاب زيادة الله ويقال كتاب المكتفي بأنه المهدي الذي داعيته في كتامة فحبسه اليسع ثم إن أبا عبد الله الشيعي بعد مهلك أبي خوال الذي كان مضايقا لهم اجتمعت إليه سائر كتامة وزحف إلى سطيف فحاصرها مدة وكان بها علي بن جعفر بن عسكوجة صاحبها وأخوه أبو حبيب فملكها وكان بها أيضا داود بن جاثة من كبار لهيعة لحق بها فيمن لحق من وجوه كتامة فقام بها من بعد علي وأخيه واستأمن أهل سطيف فأمنهم أبو عبد الله ودخلها فهدمها وجهز زيادة الله العساكر إلى كتامة مع قريبه إبراهيم بن حشيش وكانوا أربعين ألفا فانتهى إلى قسنطينة فأقام بها وهم متحصنون بجبلهم ثم زحف إليهم وواقعهم عند مدينة يلزمة فانهزم إلى باغاية ولحق بالقيروان وكتب الشيعي بالفتح إلى المهدي مع رجال من كتامة أخفوا أنفسهم حتى وصلوا إليه وعرفوه بالخبر ثم زحف الشيعي إلى طبنة فحاصرها وقتل فتح بن يحيى المساكتي ثم افتتحها على الأمان ثم زحف إلى يلزمة فملكها عنوة وجهز زيادة الله العساكر مع هرون الطبني عامل باغاية فانتهوا إلى مدينة أزمول وكانوا في طاعة الشيعي فهدمها هرون وقتل أهلها وزحف إليه عروبة بن يوسف من أصحاب الشيعي فهزمه وقتله ثم فتح الشيعي مدينة ينجبت كلها على يد يوسف الغساني ولحق عسكرها بالقيروان وشاع عن الشيعي وفاؤه بالأمان فأمنه الناس وكثر الأرجاف بزيادة الله فجهز العساكر وأزاح العلل وأنفق ما في خزائنه وذخائره وخرج بنفسه سنة خمس وتسعين ونزل الأريس ثم حاد عن اللقاء وأشار عليه أصحابه بالرجوع إلى القيروان ليكون ردأ للعساكر فرجع وقدم على العساكر إبراهيم بن أبي الأغلب من قرابته وأمره بالمقام هنالك ثم زحف الشيعي إلى باغاية فهرب عاملها وملكها صلحا وبعث إلى مدينة قرطاجنة فافتتحها عنوة وقتل عاملها وسرح عساكره في أفريقية فرددوا فيها الغارات على قبائل البربر من نفزة وغيرهم ثم استأمن إليه أهل تيفاش فأمنهم واستعمل عليهم صواب بن أبي القاسم السكتاني فجاء إبراهيم بن أبي الأغلب واقتحمها عليه ثم نهض الشيعي في احتفال من العساكر الى باغاية ثم إلى سكانة ثم إلى تبسة ففتحها كلها على الأمان ثم إلى القصرين من قمودة فأمن أهلها وأطاعوه وسار يريد رقادة فخشي إبراهيم بن أبي الأغلب على زيادة الله لقلة عسكره فنهض إلى الشيعي واعترضه في عساكره واقتتلوا ثم تحاجزوا ورجع الشيعي إلى إيكجان وإبراهيم إلى الأريس ثم سار الشيعي ثانية بعساكره إلى قسنطينة فحاصرها واقتحمها على الأمان ثم إلى قفصة كذلك ثم رجع إلى باغاية فأنزل بها عسكرا مع أبي مكدولة الجيلي ثم سار إلى إيكجان وخالفه إبراهيم إلى باغاية وبلغ الخبر إلى الشيعي فسرح لقتاله أبا مديني بن فروخ اللهيمي ومعه عروبة بن يوسف الملوشي ورجاء بن أبي قنة فى إثني عشر ألفا فقاتلوا ابن أبي الأغلب ومنعوه من باغاية فرحل عنها واتبعوه إلى فج العرعر ورجعوا عنه ثم زحف أبو عبد الله الشيعي سنة ست وتسعين في مائتي ألف من العساكر إلى إبراهيم بن أبي الأغلب بالأريس ثم اقتتلوا أياما ثم انهزم إبراهيم واستبيح معسكره وفر إلى القيروان ودخل الشيعي الأريس فاستباحها ثم سار فنزل قمودة واتصل الخبر بزيادة الله وهو برقادة ففر إلى المشرق ونهبت قصوره وافترق أهل رقادة إلى القيروان وسوسة ولما وصل إبراهيم بن أبي الأغلب إلى القيروان نزل قصر الإمارة وجمع الناس وأرادهم على البيعة له على أن يعينوه بالأموال فاعتدوا وتصايحت به العامة ففر عنها ولحق بصاحبه وبلغ أبا عبد الله الشيعي خبر فرارهم بسبيبة فقدم إلى رقادة وقدم بين يديه عروبة بن يوسف وحسن بن أبي خنزير فساروا وأمنوا الناس وجاء على أثرهم وخرج أهل رقادة والقيروان للقائه فأمنهم وأكرمهم ودخل رقادة في رجب سنة ست وتسعين ونزل قصرها وأطلق أخاه أبا العباس من الاعتقال ونادى بالأمان فتراجع الناس وفر العمال فى النواحي وطلب أهل القيروان فهربوا وقسم دور البلد على كتامة فسكنوها وجمع أموال زيادة الله وسلاحه فأمر بحفظها وحفظ جواريه واستأذنه الخطباء لمن يخطبون فلم يعين أحد ونقش على السكة من أحد الوجهين بلغت حجة الله ومن الآخر تفرق أعداء الله وعلى السلاح عدة في سبيل الله وفي وسم الخيل الملك لله ثم ارتحل إلى سجلماسة في طلب المهدي واستخلف على أفريقية أخاه أبا العباس وترك معه أبا زاكي تمام بن معارك الألجائي واهتز المغرب لخروجه وفرت زناتة من طريقه ثم بعثوا إليه بالطاعة فقبلهم وأرسل إلى اليسع بن مدرار صاحب سجلماسة يتلطفه فقتل الرسل: وخرج للقائه فلما تراءى الجمعان انفض معسكره وهرب هو وأصحابه وخرج أهل البلد من الغد للشيعي وجاؤوا معه إلى محبس المهدي وابنه فأخرجهما وبايع للمهدي ومشي مع رؤساء القبائل بين أيديهما وهو يبكي من الفرح ويقول: هذا مولاكم حتى أنزله بالمخيم وبعث في طلب اليسع فأدرك وجيء به فقتل وأقاموا بسجلماسة أربعين يوما ثم ارتحلوا إلى أفريقية ومروا بأيكجان فسلم الشيعي ما كان بها من الأموال للمهدي ثم نزلوا رقادة في ربيع سنة سبع وتسعين وحضر أهل القيروان وبويع للمهدي البيعة العامة واستقام أمره وبث دعاته في الناس فأجابوا إلا قليلا عرض عليهم السيف وقسم الأموال والجواري في رجال كتامة وأقطعهم الأعمال ودون الدواوين وجبى الأموال وبعث العمال على البلاد فبعث على طرابلس ماكنون بن ضبارة الألجائي وعلى صقلية الحسن بن أحمد بن أبي خنزير فسار إليها ونزل البحر ونزل مازر في عيد الأضحى من سنة سبع وتسعين فاستقضى إسحق بن المنهال وولى أخاه على كريت ثم أجاز البحر سنة ثمان وتسعين إلى العدوة الشمالية ونزل بسيط قلورية من بلاد الإفرنج فأثخن فيها ورجع إلى صقلية فأساء السيرة في أهلها فثاروا به وحبسوه وكتبوا إلى المهدي فقبل عذرهم وولى عليهم مكانه علي بن عمر البلوي فوصل خاتم تسع وتسعين.